إنه من الصعب حقًا النظر إلى عمل ما من زاوية واحدة، لأنه غير أن هذه النظرة ستكون ضيقة وغير شاملة، فإنها أيضًا ستبدو غير مجدية بمفردها في تقييم أو تفسير العمل، كلامي هذا ينطبق إلى حد كبير على فيلم “وش القفص” قصة وإخراج دينا عبد السلام، الروائي الطويل الذي مثّل مصر مؤخرًا في مهرجان الإسكندرية لسينما دول البحر المتوسط، فرؤيته فيلمًا بميزانية منخفضة كمدخل وحيد للتعرف عليه، غير كافِ، وربما يتسبب في بعض العتمة أكثر من التنوير صوب تجربة لها أكثر من باب للدخول.
أول هذه الأبواب أنه فيلم سكندري بامتياز، فأغلب طاقم العمل فيه من “الاسكندرانية”، ومكان الأحداث هي مدينة الإسكندرية، وإن كان الموضوع ليس محليًا يخص المجتمع السكندري وحده، لكنه خرج من خصوصية هذا المجتمع ليطرح قضية إنسانية عامة بتشعباتها المختلفة، ومن هذه الزاوية يعد أحد أفلام الإنتاج السكندري القليلة، في مقابل الإنتاج القاهري الوافر والذي قدّم الإسكندرية كموضوع أو كموقع تصوير، والمسألة هنا ليست “خناقة” بين القاهرة والإسكندرية كما يبدو للبعض، بدليل أن دينا عبد السلام في فيلمها هذا اعتمدت أيضًا على بعض الأسماء القاهرية، لكنه نوع من الاحتفاء بمدينة لها تفردها التاريخي والجغرافي وحتى السينمائي، فلا أحد ينكر أن أول عرض سينمائي في تاريخ مصر، كان في بورصة طوسون بشارع فؤاد – مركز الإسكندرية للإبداع حاليًا-، وكذلك هو نوع من التوثيق للإنتاج السكندري الذي يتطلع إلى أفق أرحب وفرصة لحركة سينمائية نشطة في المدينة، تتواصل مع القاهرة ومع فضاءات السينما عمومًا.
الباب الثاني منه ندلف إلى دينا عبد السلام كامرأة مثابرة، دؤوبة، تسعى كي تنضم إلى أسماء نسائية تزخر بها السينما المصرية حاليًا، ما يعيدنا إلى أن السينما المصرية في الأصل امرأة، وإن رآها البعض تجاوزًا لغويًا، فلابد من العودة إلى نقطة البداية، حيث قامت هذه السينما على أكتاف نساء، استطعن إقتناص مساحة شديدة الخصوصية تحركن فيها بجرأة: بهيجة حافظ، عزيزة أمير، فاطمة رشدي، آسيا، كُن في طليعة سينمائيين، نساء ورجال، هيأوا حياتهم وأحلامهم كلها للسينما.