الكاتب الكبيرابرهيم مراديكتب/صياغة الفن في زمن الموت..

متابعينا الكرام اينما كنتم حول العالم عبرصفحات الجمهوريه,,

السيدات والساه:

 هناك أزمنة يبدو فيها وكأن الموت والكراهية يطغيان على كل شىء. يرى عالم النفس الأشهر سيجموند فرويد فى مقال بعنوان «أفكار لأزمنة الحرب والموت» (صدرت ترجمته العربية ضمن كتاب يحمل الاسم نفسه من إصدارات دار الطليعة – ترجمة سمير كرم) أن الفن يجعلنا نعيش مخاوفنا وكوابيسنا وجوانبنا السيئة بشكل افتراضى يساعدنا على «طردها» والسيطرة عليها، ولكن عندما تأتى الحرب بوحشيتها لتستخرج ما فى الإنسان أسوأ ما فيه، أو تحول حياته إلى جحيم يومى يسوده الموت والفقدان والجوع، فإن جدوى الفن تتراجع.

وفى رسالة كتبها إلى العالم ألبرت أينشتاين يضمها الكتاب نفسه تحت عنوان «لماذا الحرب؟» يرى «فرويد» أن الصراع بين القوة (أو العنف) والحق (أو القانون) يمكن حسمه فقط باتحاد «الضعفاء» فى مواجهة هذه القوة الغاشمة التى لا ترى سوى نفسها، ولكنه يرى أن دعاة الحرب يلعبون دائماً على الغرائز البدائية، وبالذات غريزة العدوان والموت، داخل القطيع البشرى الجاهل، ويختم «فرويد» رسالته بهذه العبارة البليغة:

«إن كل ما يدعم نمو الثقافة يعمل فى الوقت نفسه ضد الحرب».

عندما نتأمل الحرب الدائرة فى غزة، مثلما كان الحال فى كل الحروب من قبل، يلعب دعاة الحرب على العقائد المتطرفة والعقول المغلقة داخل مجتمعاتهم، ومن خلال خلط الأساطير الدينية بشيطنة الآخر ونسج القصص الخيالية حوله، ينجح مجرمو الحروب فى قيادة شعوبهم، مثل القطيع، نحو الهاوية. ولا غرابة على الإطلاق أن نرى اليمين المتطرف على الجانبين، يذكى نيران الكراهية والعنف، ولا غرابة أيضاً أن نرى أن المفكرين والفنانين الأكثر ثقافة ووعياً وشباب الجامعات الصغار، الأكثر رغبة فى المعرفة والأقل انسياقاً وراء أفكار القطيع، هم الأكثر تصدياً للحرب وإدانة لمجرميها.

تلعب الخرافة دوراً هائلاً فى تأجيج الكراهية والحرب، بالرغم من أنها المادة الخام الأولى للفنون، ولكن الفارق هو أن الفن يتعامل مع الخرافة كخيال قصصى لا حقائق عقيدية لا تناقش. والفن يصقل عقل الإنسان ويدربه على التفكير «متعدد القنوات والطبقات»، حيث يعيش داخل زمن العمل الفنى مندمجاً ومنفصلاً عن حياته وواقعه، ثم يخرج من هذا العمل مجدداً، لكن العقل الأحادى المتطرف يعيش زمناً واحداً وقصة واحدة لا يعرف غيرها ويظل أسيراً لها حتى الموت.

بالرغم من أننا نعيش أزمنة حرب وموت لا يبدو فيها أن الفن له دور يؤديه، لكن الحقيقة أنه لا منجاة للجنس البشرى من الدمار سوى الفن والثقافة بمعناهما السامى. ولا أحد يمكنه مواجهة ثقافة الموت والحرب أفضل من المبدعين.

بقلمي//رئيس التحرير…..

Related posts

Leave a Comment