المتابعين الكرام اينما كنتم حول العالم عبرفحاتنا صفحات الجمهوريه..
السيدات والساده:
يُنظر للعبد دائماً على أنه شغّيل.. فموقعه دائماً على الأرض، ليقوم مع غيره من العبيد بدفع المركبة إلى الأمام، أو يخوض فى الماء ليدفع السفينة فى البحر.
ذلك كان موقع العبيد كما يصفه «فريدريك دوجلاس» فى كتابه «مذكرات عبد أمريكى». العبيد دائماً مشاة والسادة ركبان.. هل تذكر ما قاله «أمل دنقل» فى قصيدة الخيول؟.. قال: «والخيول جدار به انقسم الناس صنفين صاروا مشاة وركبان».
يتدرب العبد منذ صغره على أنه «نفر» يعمل، ضمن كتيبة من الأنفار، فى خدمة السادة وخططهم وأهدافهم، ليس مطلوباً منه أن يفكر أو أن يعمل عقله، كل المطلوب منه هو استخدام طاقته وقدراته العضلية فى العمل.
لعلك تذكر ذلك المشهد من فيلم «وا إسلاماه»، الذى قال فيه بيبرس لقطز: نحن مماليك نعطى مجهودنا لمن يدفع أكثر.
المماليك كانوا مجموعة من الشغيلة الذين يقبضون ثمن مجهودهم، وقد كانوا أفضل حالاً من العبيد، فالعبد لم يكن يقبض إلا القليل جداً نظير ما كان يقوم به من عمل. فكل دخله يصب فى جيب السيد.
يحكى «فريدريك دوجلاس» فى مذكراته أنه كان يقبض 7 دولارات فى الأسبوع، يعطيها كاملة للسيد، لينفحه عدة سنتات منها ودمتم.
طائفة الشغيلة موجودة فى كل زمان ومكان، وحتى بعد انتهاء زمن العبودية، وإلغاء الرق، ما زالت هذه الطائفة تمثل وقود العمل داخل العديد من المجتمعات، وتختلف قدرة أفراد هذه الطائفة على جنى حقوقها مقابل ما تؤديه من أعمال.
وفى العديد من الأحوال لا يتعادل دخل الأفراد مع احتياجاتهم، فدائماً ما تنشأ فجوة ما بين هذين الطرفين: الدخل والاحتياجات، والفجوة هنا تعنى مستوى معيناً من الحرمان، يختلف فى درجته من مجتمع إلى مجتمع، لكنه فى كل الأحوال يظل حرماناً يؤدى إلى كسر النفس، وكسر النفس، كما تعلم، ملمح أساسى من ملامح الشعور بالإذلال.
التحكم فى دخل الشغيلة، أو فى درجة وفاء هذا الدخل بالاحتياجات يمثل أداة أساسية من الأدوات التى وظفها السادة فى السيطرة على العبيد فى التجربة الأمريكية، ولم تزل هذه الأداة مستخدمة بتجليات مختلفة فى واقعنا المعاصر، سواء داخل الدولة أو المجتمع الواحد، حين يتحكم المسيطرون فى دخل البشر، كأداة من أدوات السيطرة عليهم، أو بين الدول بعضها البعض، حين تجتهد دولة معينة فى السيطرة على غيرها عبر ما يمكن أن تمنحه لها من مساعدات، بحيث تتمكن من السيطرة عليها والتحكم فى قراراتها أو أدائها.
وعلينا ألا ننسى أن الفكر الاستعمارى التقليدى كان ينظر إلى المستعمرات كمصدر للاستنزاف، فيستولى على ثرواتها ومقدراتها، ويسحبها إلى بلدانه، ليعيدها إليهم فى صورة بضائع ومنتجات، تستنزف فيها المبالغ المتواضعة التى حصلوا عليها مقابل بلع ثرواتهم.
إنها اللعبة القديمة المتجددة التى يتحكم فيها الجالس على مقعد السيطرة فى الدخل، حتى يدفع المجموع إلى الدوران فى ساقية الحياة، بحثاً عما يقيم صلبه وصلب من يعول.