المتابعين الكرام اينما كنتم حول العالم عبرصفحات الجمهوريه,,
السيدات والساده:
أراك يا عزيزى القارئ وأنت تضيق عينيك وترفع حاجباً مستعجباً مردداً: ما هو «الاستدعاء الواتسابى»؟، هو شىء يشبه استدعاء المدرسة، ولكنه يحدث بين الأمهات، وفيه يتم استدعاء أم من قبل أم أخرى على جروب الواتساب، وفى الغالب يكون بشأن مشكلة حدثت بين طفليهما، وفى قصة «مامى سيف» كان سبب الاستدعاء هو أن سيف أرسل صورة لعبة إلكترونية إلى زميله فى الفصل على حسابه عبر «الواتساب»، وفعل سيف ذلك بناء على طلب زميله، ولكن الأم لم يعجبها ذلك، فدخلت وفعّلت زر «الاستدعاء الواتسابى» لتستجوب «مامى سيف» عن جرم ابنها المشهود وهو إرسال صورة للعبة إلكترونية معروفة بين الأطفال، أما «مامى سيف» نفسها، فقد حاولت نفى التهمة عن ابنها، بأن الولد الآخر هو من طلب الصورة.
لا يمثل المشهد السابق سوى نقطة فى بحر مما يحدث فى جروبات الماميز، وعمليات الاستدعاء «الواتسابى» التى تحدث كل لحظة، حتماً من يقرأها لن يصدقها بل قد يعتقد أنها ضرب من خيال مؤلف كوميدى محترف، ففى مرة كانت هناك شكوى أم بشأن طفل يرسم على جلاد كراسة ابنها، ولم تكتف بالشكوى بل تطور الأمر لمشاجرة مع والدة الطفل الآخر ووصفتها بأنها لم «تحسن تربية ابنها» وهو وصف مهذب لما قيل فى الحقيقة، بينما كانت هناك شكوى أخرى من أم بشأن طفل فى الفصل يخطف «أستيكة» من ابنها ووصفت السلوك بأنه يؤثر على نفسية ابنها الصغير، وسيجعله يخشى الذهاب إلى المدرسة، وكان ذلك بعد جدال كبير مع الأم الأخرى!
تبدو تلك الحكايات طريفة.. مضحكة…أليس كذلك؟!، بينما قد يظهر بعض الآباء والأمهات ضيقاً بل وتعجباً مصحوباً بتساؤل أليس دورنا حماية أطفالنا؟ الحقيقة إجابة كلا السؤالين واحدة، قد يبدو المشهد كذلك ظاهرياً، لكن هناك جانباً آخر خفياً من الحقيقة، وهو جانب مظلم جداً، لأن المشاهد السابقة ببساطة تخلق جيلاً هشاً نفسياً ومعنوياً غير قادر على التفاعل مع بيئته، أو الدفاع عن حقوقه.
للأسف صارت «جروبات الماميز» متنفساً لنشر مفهوم ضرورة الحماية القصوى لأطفالنا بأى شكل وكل وسيلة من أى خطر يتعرضون له، لكن المفارقة أن تعريف الخطر هنا هو مواقف يومية يحتك فيها الطفل بزملائه فى المدرسة، وهو أمر لازم لنموه النفسى والعاطفى، فالطفل يتعرض للكثير من المواقف الحياتية الإيجابية والسلبية التى تتطلب منه اكتساب المهارات اللازمة لمواجهتها.
ومن ضمن المهارات الإدراكية اللازمة للنمو بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» مهارة حل المشكلات، وتتلخص فى تحديد المشكلة ثم البحث عن حلول وتطبيق الحل، وأقتبس من الموقع الرسمى للمنظمة حول أهمية اللعب لتطوير مهارات الأطفال الإدراكية: «إذا أبدى طفلك إحباطه، قدّم له اقتراحات مفيدة، ولكن اسمح له أولاً بالوصول إلى الحلّ بشكل مستقل».
وهذه المهارة تقرر كثير من الأمهات نسفها نسفاً بدافع الحماية الزائدة بإيعاز من «جروبات الماميز»، لتقوم هى بوضع الحلول المناسبة، بينما يقف طفلها موقف المتفرج، وأحياناً يكون السبب رسالة تبعثها الأم لابنها مفادها «أنا بجانبك»، وأحياناً هناك أسباب أخرى مثل الغيرة بين الأمهات، وفى سبيل ذلك أى شكوى يبثها الطفل تسارع الأم لوقف مشاعر الضيق أو الغضب اللذين يشعر بهما الابن، من خلال محادثة الأم الأخرى عن ضرورة تعديل سلوك طفلها، بل وأحياناً تقديم شكوى فى إدارة المدرسة نفسها، دون الانتباه إلى أن ذلك يخلق جيلاً بلا مناعة نفسية.
فلا تفكر تلك الأم لحظة واحدة أن الحل الصحيح هو حاجة ابنها إلى الجلوس معه وسماع مشكلته بتركيز، أو سؤاله عن مشاعره وسببها، وما الذى يقترحه كحلول لتلك المشكلة، وضرورة توجيه الابن مع تقديم نصائح لكيفية التصرف السليم وتنفيذه، وأن تتركه ينفذ هذا الحل وحده كمرحلة أولى لضمان بناء شخصية قوية قادرة على مواجهة الظروف فى حال غياب الأم أو الأب، ويتم التدخل من الآباء كمرحلة تالية إذا لم يؤت هذا الحل ثماره، أو كما يكشف كتاب «الأطفال لا يفهمون كلمة لا» للدكتورة «سارة النجار»: «لا تتصرف مع أطفالك، وكأن دورك فى الحياة هو أن تحميهم وتبنى سوراً عالياً بينهم وبين العالم الخارجى، وتخل عن اعتقادك بأن دورك هو حمايتهم من صدمات الحياة، فيصير خيارهم الأول هو الركض بحثاً عنك لحمايتهم بدلاً من أن يبحثوا بداخلهم عما تعلموه منك».
الحقيقة «جروبات الماميز» بحاجة إلى إعادة نظر فى دورها عبر المجتمع الدراسى، وإعادة تقييم شامل لهذا الدور، ليس فقط لخطورة ما تقوم به تلك «الجروبات» بل للآثار الضخمة المترتبة على دورها تجاه الأجيال الناشئة وعلى سلوكياتهم، وهذا نناقشه فى مقال آخر.