المتابعين الاعزاء اينما كنتم حول العالم عبرصفحات الجمهوريه,,
السيدات والساده:
بيعد المصريون الأكثر تقديماً للاقتراحات حول كل شىء، وفى أى مجال. وهنا سنجد مئات الرسائل الجامعية تُناقش سنوياً فى قضايا مهمة، تختص بها العلوم البحتة والعلوم الإنسانية، وبعضها يقدم معدوها توصيات فى نهاية الأطروحة. وهناك آلاف الأبحاث تنتجها الجماعة الأكاديمية المصرية، بعضها جيد ومفيد جداً. وتوجد مراكز بحوث قومية فى العلوم الاجتماعية وفى مجالات الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب والأدوية، ومراكز بحثية أخرى أنشأتها السلطة الحالية نفسها، وملتصقة بها، إلى جانب بعض المراكز البحثية ومكاتب الخبرة الخاصة.
وهناك المجالس القومية المتخصصة التى تبحث سنوياً كل مشكلات مصر بشكل دورى، وتستعين بخيرة العلماء، وتقدم حلولاً علمية لها. وماثلة لكثير من الأفراد والمؤسسات المصرية العديد من بيوت الخبرة الأجنبية التى تُستشار بأجر فى بعض الأحيان. وتوجد أيضاً خبرات الدول الأخرى وتجاربها المدونة فى خطط منشورة ومتاحة.
وبالطبع فإن برامج الأحزاب السياسية تحمل الكثير من الاقتراحات، فى إطار واجبها الذى يفرض عليها أن تطرح نفسها بديلاً، ولو نظرياً أو شكلياً، عن السلطة القائمة. ومما يُعطى هذه البرامج بعض الوجاهة، فى مجال الاقتراحات، أن القانون يفرض على كل حزب جديد أن يقدم برنامجاً مختلفاً، ولو فى بعض الجوانب، عن الأحزاب الموجودة بالفعل.
وهناك كثير من الاقتراحات صاحبت أربعة انتخابات رئاسية شهدتها مصر منذ 2005 إلى الآن، بغض النظر عن توافر الحرية والنزاهة لها جميعاً، قدمها المرشحون، سواء كان لديهم واجب لتقديم بديل حقيقى، أو نظروا إلى هذا باعتباره جزءاً من الإجراءات التى يلزم استيفاؤها. وينطبق الأمر نفسه، لكن بشكل أكثر اتساعاً على الانتخابات النيابية، ثم انتخابات تجريها النقابات المهنية والعمالية، وفيها تُقدم حلول لمشكلات المنتمين إلى المهنة أو الحرفة. وفى أوقات الأزمات تلجأ السلطة لعقد «حوار وطنى» تستدعى فيه رجال سياسة وتكنوقراط ليدلوا بدلوهم فى المشكلات الراهنة، ويقدموا بشأنها الكثير من الاقتراحات.
وتوجد مقالات تُكتب فى الصحف تقدم تصورات ناجعة تسهم فى حلحلة مشكلات عدة، لا سيما حين تُفسح صفحات الرأى مكاناً لبعض أهل الاختصاص فى مختلف المجالات، وللمشاركة أيضاً فى الملفات الخاصة التى تعد من حين إلى آخر مواكبة لتطور الأحداث، وفى التحقيقات الصحفية المعمقة والاستقصائية. وحين ظهرت وسائل التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت باتت الطريق مفتوحة أمام الجمهور العام ليدلى بدلوه، وبعض هؤلاء على دراية جيدة، وكثير من اقتراحاتهم لافتة، وهم إما فضلوا عرضها أمام الرأى العام، أو لم يجدوا قناة اتصال بالسلطة.
وهناك الخبرة التاريخية للمصريين التى تراكمت على مدار سنين طويلة وموضوعة على أرفف المكتبات، أو تسكن رؤوس بعض العجائز. فكثير من المشكلات المعروضة على الساحة المصرية حالياً ليست وليدة اليوم، بل هى قديمة ومزمنة، وطالما تم تقديم حلول لها. ويكفى مسح سريع للصحف المصرية الصادرة قبل عقود من الزمن لندرك هذا الأمر جيداً.
وعقب ثورة 25 يناير 2011 استجابت الحكومة لاقتراح إنشاء بنك أفكار، فانهالت عليه آلاف التصورات والاقتراحات والتوصيات، وراود الأمل أصحابها أن يجد ما قدموه من يطلع عليه، وينظمه، ويلتقط منه ما يفيد، ويفسح له طريق التطبيق فى الواقع، لكن هذا ذهب سدى، ولم يلبث أن لف النسيان هذا البنك، ولا يعرف الناس مآل مقترحاتهم.
أبدع العقل الجمعى المصرى، شأنه شأن عقل شعوب بلدان عربية أخرى، فى تقديم تصورات يروم منها خروج البلاد من ضيق لا تستحقه إلى براح يليق بها. وبعد كل هذا، يقال للناقدين، قدموا اقتراحات، لإظهارهم بمظهر المقصر أمام الرأى العام، مع أن لنقدهم، إن لم يسقط طبعاً فى التجريح أو الدعاية أو إهمال منطق العلم ومجافاة المصلحة العامة، وظيفة أخرى مهمة هى التذكير والتنبيه بغية تصويب الاتجاه، والقيام بواجب الاختلاف وهو فريضة حياتية، لا سيما وفق نظرية «الدفع» التى تقوم عليها الحياة كلها.
هذا القول هو مجرد «حق يراد به باطل» لأن هدفه الأساسى ليس السعى إلى الاستفادة من عطاء العقول التى تقترح أو تبتكر بدائل، إنما تعميم شعار «اصمتوا ودعونا نعمل» أو دفع الناقدين، وليس بالضرورة جميعهم ناقمين، إلى أن يكتفوا بالوقوف فى طابور الاقتراحات الذى لا يتقدم خطوة واحدة، فى زمن يُقال فيه إن دراسات الجدوى للمشروعات معوقة، أو لا حاجة إليها.
بقلمي//رئيس مجلس الاداره…